الإلحاد و النصرانية

christian_1

منذ نشأة النصرانية بوضعها الحالي مُقدسة لكتاب بين يدي النصارى قاموا بجمعه من مصادر مختلفة ونسبوا أصل الكتابة للوحي الإلهي, ومُؤمنة بإله خالق كامل ولكن له شخصيات تختلف عنه ولكنها ليست هو نفسه , فيما يسمى بمعتقد الثالوث.
استمر إيمان النصارى معتمداً على إلغاء العقل , وتغييبه حتى بات المنطق العقلي معدوماً, وانتشرت مقولات كبار رجال النصرانية تحط من العقل وتبين أن الإيمان لا ارتباط بينه وبين العقل .

ومنها ما قاله أوغسطينيوس قديس وفيلسوف النصارى

" أنا أؤمن فربما أفهم " “I believe in order that I may understand.”.

وفي رواية آخرى شبه أوغسطينيوس محاولته لفهم الثالوث بمحاولة الطفل الصغير لنقل ماء البحر داخل حفره صغيره على الشاطئ , فأشار باستحالة فهم ما يؤمن به , واستمر على حاله حتى هلاكه عام 430 ميلادية.

ولم يكن ما قاله بعيداً عن مقوله سلفه ترتيليان, وهو من كبار آباء المسيحية في القرن الثاني الميلادي الذي قال :

" أنا أؤمن لأنه غير معقول " “I believe because it is absurd.”.

والعجيب أنه لا تزال دائرة المعارف الكتابية النصرانية تكتب تحت تعريف الثالوث : أن الثالوث الذي هو أصل العقيدة النصرانية ليس له أي برهان عقلي , والأطرف أن الكتاب المقدس عند النصارى لا يحتوي لفظ الثالوث أو طبيعة الإله كما يؤمنون بها من أقانيم أو تعدد شخصيات كل منهم إله , ولكنهم جميعاً إله واحد !!, فأصبح إيمانهم بالله تعالى لا عقلي ولا كتابي .

كان هذا حال النصارى بدءاً من القرن الثاني الميلادي , آباء يضعون قوانين ومجمعات توافق عليها , ومن له الغلبة والسيطرة يفرض قوانين مجمعاته وأراء رجاله , ويلقي بكل مخالف في نيران أي كتاب يخالف المعتقد الذي وافق عليه رجاله, الذين ارتضوا تغييب العقل وإلغاء النقل والاحتكام للأهواء وللاقتراعات مع إعلان بعدم الفهم !.

وكان من ضمن تدريبات إلغاء العقل ممارسة النصارى لطقس يسمى التناول , أو سر الإفخارستيا , وفي هذا الطقس يتلو الكاهن بعض الكلمات على رغيف من الخبز تم اختياره من بين عدة أرغفة خبزت خصيصاً لهذا الطقس.

ويؤمن النصارى أن المسيح الذي في اعتقادهم أنه هو الله أو ابن الله أو أقنوم من ثلاثة أقانيم للإله , قد تجسد في رغيف الخبز , ويتم تقطيع الخبز إلى قطع صغيرة ويلقم الكاهن طابور المصطفين قطعة في فم كل منهم .

ويعتقد كل نصراني أنه أكل الرب كاملاً , مبرراً ذلك بأن الرب لا يتجزأ إلى قطع , ويلوك النصارى الرب بين أسنانهم , ويتم طرحه خلفاً باللسان إلى المعدة التي تصب عليه حمضاً , لتهضمه , وما يتبقى منه يتم إلقاءه إلى خلاء أو مرحاض .

لاقت هذه العقيدة بعض الاعتراضات في القرون الوسطى ولكن كانت محاكم التفتيش والإعدام حرقاً هي الرد البسيط والجاهز على كل من يصرح أو يتم اتهامه من أي من أقاربه أنه يشك أن الذي يتناوله في القداس هو الرب نفسه.

ونحن في القرن الواحد والعشرين لا تزال غالبية الطوائف تمارس هذا الطقس عدا البروتستانت الذين يمارسونه كتذكار وليس كإيمان بأن الرب يتجسد في الرغيف ليأكله النصارى ويكون الرب فيهم.

وقد عاشت أوروبا والبلاد النصرانية في فقر وجهل تحت سيطرة الكنيسة وأفكارها, حتى ظهرت الحركة المعارضة للكنيسة وسلطتها بقيادة مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي في القرن السادس عشر.

وكان من أهم أفكاره , كسر احتكار الرهبان للكتاب المقدس عند النصارى وترك حرية قراءته وتفسيره للجميع , وقد رفض بدوره أجزاء من الكتاب المقدس عند النصارى اعتبرها لا تليق لمستوى الوحي الإلهي , كانت ولا تزال الطوائف الآخرى تعتبرها وحي من الله تعالى .

وقد تزامن مع ظهور وانتشار البروتستانت, عمل ترجمات للكتاب المقدس عند النصارى , مثل ترجمة الملك جيمس 1611 ميلادية , وصاحب الترجمة انتشار طباعة الكتب ومنها الكتاب المقدس عند النصارى .

بذلك خرج الكتاب المقدس عند النصارى من محبسه إلى عامة الناس بعد أن كان حكراً في لغته على بعض الرهبان وفي حيازته على كبار الأثرياء .

خرج الكتاب وأصبح متداولاً بين كل من يستطيع القراءة من أدباء وعلماء مفكرين.

كان انتشار الكتاب بين القراء صدمة للقراء حولت كثير منهم إلى العلمانية أو الإلحاد , وأبقت البعض منهم يؤمنون إيمان آباءهم قانعين بالاستسلام ومرددين شعارات الإيمان بلا فهم, لاهثين وراء خرافة ظهور ضوء فوق صليب , أو حلم بالرب أو بقديس أو بأم الرب كما يعتقدون, أو مقتنعين بوهم الصفاء النفسي والمحبة التي لم نراها في التاريخ ولا في الواقع إلا في عظات ومجاملات رقيقة.

تحول كثير ممن قرأوا الكتاب إلى الإلحاد أو اللادينية لأن عقولهم لم تستوعب ما جاء فيه من أن الإله خالق الكون بعظمته وكماله واتساعه , يتجسد في إنسان وينزل ليلعب مباراة مصارعة مع إنسان عاجز ضعيف يؤرقه صداع أو إسهال, فيهزم الإنسان رب العالمين وخالق الكون العظيم !!.

ويستمر الإنسان المخلوق ماسكاً بالخالق ويقول له لن أتركك حتى تباركني , والإله يقول له اتركني فقد تأخر الوقت.

(تكوين32: 24):«فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ. وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْر». (25):«وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ». (26):«وَقَالَ:أَطْلِقْنِي لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ. فَقَالَ:لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي».(27) فَسَأَلَهُ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: يَعْقُوبُ. (28):«فَقَالَ:لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدِرْتَ ». (29):«وَسَأَلَهُ يَعْقُوبُ: أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ. فَقَالَ: لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟ وَبَارَكَهُ هُنَاكَ». (30):«فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلًا: لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ وَنُجِّيَتْ نَفْسِي ».

ولا يزال هذا إيمان النصارى , وبينما تستحي بعض الفرق وتقول أن الذي صارعه يعقوب هو ملاك وليس الرب, تعترف الغالبية بأن يعقوب كان فعلاً يصارع الرب , وهذا ما أكده البابا شنودة في كتابه سنوات مع أسئلة الناس –أسئلة لاهوتية - جزء أ : ص 25 .
وتبرير البابا شنودة منطقي فهو يقول : أكيد يعقوب كان يصارع الرب , لأنه قال له لن أتركك حتى تمنحني البركة ( النبوة ) , والملاك لا يملك أن يعطي النبوة لأحد من البشر!.

بذلك كلما اعتمد النصراني على كتابه في وضع ارتباط بين الصورة العقلية عن الإله خالق الكون ومبدع الإنسان والحيوان والنبات بما يظهر من خلقه من طلاقة القدرة والحكمة, وجد تعارضاً تاماً .

فالإله حسب الكتاب الذي قدموه له أنه كلام الله , ينسى ويتصارع ويصفر للذباب الذي لا يسمع , ويقول أن الله خلق الأرض في اليوم الأول للخلق وجاء الليل, ثم جاء النهار, وبعد تعاقب الليل والنهار أربع مرات خلق الله الشمس التي هي سبب الليل والنهار !!.

ويقول الكتاب في صفحات آخرى أن الشيطان استولى على الرب وصعد به فوق جبل عال فأراه جميع ممالك الأرض كما لو كانت الأرض مسطحة كملعب كرة وكما لو كان الرب يحتاج الشيطان ليرفعه ويريه, والأدهى أن الشيطان قال للرب حسب رواية العهد الجديد المقدس عند النصارى , اسجد لي وأعطيك هذه الممالك !! , وإن سعى النصراني وراء المفسرين زادوا الطين بلة وقالوا له لأن الرب كان متخفي من الشيطان, فلم يقل له أنا الله حتى لا يفسد خطته , وكان متخفي من اليهود فلم يقل لهم أنا الله حتى لا يقتلوه !.

بذلك فتحت النصرانية كغيرها من الاعتقادات الباطلة, أبواباً واسعة للإلحاد وللعلمانية وللفلاسفة الماديين ولأرباب الخرافات, ومع استمرار حملات التنصير المكثفة على أسيا وإفريقيا تتنامى أعداد المغيبين آكلي لحوم الآلهة في الأماكن الأكثر فقراً وجهلاً , بينما تتزايد في العالم الأكثر وعياً بنسبة أكبر قليلاً أعداد المرتدين عن النصرانية الذين قارنوا بين العقل والنقل, فتصبح المحصلة كما تشير مراكز إحصاء الاعتقادات الدينية تناقص في النصرانية المصدر الرئيسي لللادينية واللا أدرية والإلحاد, الذي أحياناً يكون محطة انتقالية قبل الانتقال إلى نور الإسلام.

والحمد لله رب العالمين.

الأستاذ / ياسر جبر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق